التفحيط هو الصوت الصادر عن إطارات السيارة نتيجة سرعة دورانها وانحرافها السريع من جهة لأخرى ، أو هو التلاعب بالسيارة تحت سرعة معينة لتقديم حركات استعراضية مثيرة .
وهناك من يقول أنها رياضة الجنون والهلاك والدمار السريع .
وظاهرة التفحيط ظاهرة عالمية إلا أنها تنتشر بدول الخليج بشكل أوسع، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل لعل من أبرزها؛ عدم وجود رياضات بديلة؛ كتسلق الجبال، أو الطيران الشراعي، أو الألعاب المائية وغيرها من أنواع الرياضات التي يمارسها الشباب في دول شرقية وغربية تتوفر فيها مثل تلك الرياضات وغيرها .
وتمارس هذه الظاهرة في أماكن عامة، ودون توفر وسائل السلامة والأمان لممارسيها ولمتابعيها، مما يشكل عليهم خطرًا يصل لحد الموت أو الإصابات المقعدة .
ولكثرة عشاقها ومتابعيها نشأت المنافسات بين ممارسيها، وبداء عشاقها بتوثيقها وتسجيلها، وتخصيص مواقع لها على الشبكة الإلكترونية لعرض المقاطع المتميزة عنها؛ بل أن وصل الحال بالمهتمين بها بأن وضعوا لها ضوابط منافسة وإمكانات فريدة وسيارات معينة، والتنافس في تطبيق حركات خطرة ومميتة، وغير ذلك من الأمور التي تساهم في انتشارها والتنافس عليها .
كل هذا في غياب تام من الأسرة والمجتمع والجهات الأمنية والمعنية بالشباب والثقافة؛ والحفاظ على ثروات الوطن ومقدراته من الهلاك والزوال .
نعم غياب من الأسرة، لعدم معرفتها بحال أبنائها وأماكن تواجدهم وما يقومون به من أعمال صالحة كانت أم مسيئة !!
وغياب من الجهات الأمنية لعدم حزمها في منع مثل تلك الظواهر بالبحث والدراسة لمعالجتها والوصول إلى حلول ناجعة للقضاء عليها والحفاظ على ثروت الأمة من شبابها الذي تؤمل عليه الأمة الآمال .
وغياب من الجهات المعنية بالشباب والثقافة من إيجاد متنفسات لهؤلاء الشباب لقضاء أوقات فراغهم وتفريغ طاقاتهم والحفاظ عليهم فيما يعود عليهم بالنفع وعلى مجتمعهم وعلى الوطن والأمة .
وكذلك في غياب من رجال التربية والتعليم والدعوة والتوجيه لتوجيه الشباب وتنشأتهم التنشئة الصحيحة السليمة ودلالتهم على الطريق الهادف والمفيد لهم ولمجتمعهم ووطنهم وأمتهم .
وفي ظل هذا الغياب من تلك الجهات التي هي ركيزة مهمة في توجيه الشباب والعناية بهم، فقد الشباب فقه ثقافة التفحيط وفسروها بمعرفتهم وبما يرضي غرائزهم ويحقق رغبات مشجعيهم على القيام بذلك .
لأن التفحيط وبكل بساطة؛ هو طاقة كامنة لديهم، وإبداع متميز في دواخلهم، وفن يتوقد في أفكارهم، وقدرات هائلة تتوهج في صدورهم، وفراغ كبير يطمعون في استثماره، فلم يجدوا أمامهم في ظل هذا الغياب والغفلة عنهم إلا التفحيط لابراز قدراتهم وتفجيرها وفق البيئة التي يعيشون فيها ويفهمونها .
وليس هناك إبداع أكثر من القيام بتلك الحركات المثيرة والسريعة والجنونية والسيارة تسير على هذه السرعة العالية، وهذا الفن الذي يجعله يسيطر على مقود القيادة فيرمي بالسيارة يسرة ويمنة، وتلك القدرة التي تجعله يحدد مساره بكل دقة واقتدار فيطبق الحركة المطلوبة كما رسمت له، وهذه الثقافة التي جعلته يترجم رغبات المتجمهرين على حساب حياته وسلامته وسلامة المتابعين .
فهو بهذا العمل الخطير يثبت ذاته وموهبته الخارقة، بعد أن غفل عنه الأهل والمجتمع، وهمشوه ولم يرعوه ويهتموا به، حتى وصل إلى هذا الطريق الذي إن نجا من الموت لم ينجوا من الانزلاق في طريق المخدرات والمسكرات والفساد الأخلاقي، خاصة وأن الفئة العمرية للمفحطين تتراوح بين سن 17 سنة إلى 30 سنة، مرحلة مهمة وتشكل منحنى خطير في حياة الشاب، وغياب الوعي والمتابعة والتوجيه لها في هذه الفترة تؤدي بها إلى الانحراف السريع والتيه في مستنقعات الهلاك .
لقد أبدع المفحط وأثبت ذاته وحقق مراده؛ بغض النظر إن كان على الصواب أم الخطأ !!
لكن نحن ماذا صنعنا ؟ وماذا حققنا ؟ من أجل الحفاظ على هذا المفحط وشباب الأمة ومستقبلها الزاهر ؟
يجب أن نصحوا من غفلتنا وأن نلتفت إلى شبابنا ومستقبل وطننا وأمل أمتنا وجيله الصاعد الواعد .
نعم يجب أن نصحوا وأن نفيق من هذا السبات المهلك وتلك الغفلة القاتلة التي أهلكت معها أهم ثروات الوطن ومقدراته، فما قيمة الوطن دون الشباب ؟
يجب علينا أن نفيق وأن نقوم بأدوارنا، بدأن من البيت ثم المدرسة ثم المجتمع ثم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالحفاظ على مقدرات الوطن وثروته الحقيقية .
يجب أن نلتفت لأبنائنا كأباء وأمهات، وطلابنا كمربين ومعلمين، وواجباتنا اتجاه شباب الأمة كمجتمع متماسك يحرص على حفظ الأمانة وصيانتها، وكمسؤولين أمام الله ثم ولي الأمر اتجاه شباب الوطن من جهات أمنية ودعوية وثقافية وشبابية ورياضية، في الصدق في أداء مهامنا والقيام بمسؤولياتنا الملقاة على رقابنا .
إن التوعية والتوجيه واكتشاف الطاقات والإبداعات والمهارات لدى الشباب وتوجيهها التوجيه الصحيح، هو الحل الأنجع للقضاء على هذه الظاهرة – بإذن الله – أما السجن والغرامات والمطاردة، ففي نظري أنها لن تُجدي؛ وذلك لسبب بسيط وهو أننا لم نعالج السبب الرئيس في فشوا وانتشار تلك الظاهرة بين الشباب .
الوضع جد خطير والأرقام مخيفة والمشاهد مروعة والمقابر تزخر والمستشفيات تأن والشوارع تعاني والبيوت ثكلى، وهذا كله بسبب التفحيط وغياب الجميع عن أدوارهم الحقيقية في هذه الحياة اتجاه هؤلاء الفئة التي تسعى لتفريغ طاقاتها وإبراز مواهبها وقدراتها لتثبت وجودها في الحياة؛ لأنهم ينأون أن يكون على هامش الحياة لا قيمة لهم ولا اعتبار .
هذه خاطرة تسلسلت حروفها دون ترتيب أو تخطيط بعد أن رأيت مقطع حادث المفحط المشهور " سلطان الدوسري " الذي توفي قبل أيام وهو يفحط في شارع الغروب بحي العزيزية جنوب مدينة الرياض، أسال الله لنا وله المغفرة والرحمة والثبات على الحق .
شذرات بقلم